مرحبا بكم

test
Your Ad Spot

قصيدة المتنبي فراق ومن فارقت غير مذمم


 المتنبي ( فراق ومن فارقت غير مذمم )




تعريف المتنبي :

أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاءاً في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العربية، وأكثرهم تمكناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء.

القصيدة :

فِراقٌ وَمَن فارَقتُ غَيرُ مُذَمَّمِ

وَأَمٌّ وَمَن يَمَّمتُ خَيرُ مُيَمَّمِ

وَما مَنزِلُ اللَذّاتِ عِندي بِمَنزِلٍ

إِذا لَم أُبَجَّل عِندَهُ وَأُكَرَّمِ

سَجِيَّةُ نَفسٍ ما تَزالُ مُليحَةً

مِنَ الضَيمِ مَرمِيّاً بِها كُلُّ مَخرَمِ

رَحَلتُ فَكَم باكٍ بِأَجفانِ شادِنٍ

عَلَيَّ وَكَم باكٍ بِأَجفانِ ضَيغَمِ

وَما رَبَّةُ القُرطِ المَليحِ مَكانُهُ

بِأَجزَعَ مِن رَبِّ الحُسامِ المُصَمِّمِ

فَلَو كانَ ما بي مِن حَبيبٍ مُقَنَّعٍ

عَذَرتُ وَلَكِن مِن حَبيبٍ مُعَمَّمِ

رَمى وَاِتَّقى رَميِي وَمِن دونِ ما اِتَّقى

هَوىً كاسِرٌ كَفّي وَقَوسي وَأَسهُمي

إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ

وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ

وَعادى مُحِبّيهِ بِقَولِ عُداتِهِ

وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ

أُصادِقُ نَفسَ المَرءِ مِن قَبلِ جِسمِهِ

وَأَعرِفُها في فِعلِهِ وَالتَكَلُّمِ

وَأَحلُمُ عَن خِلّي وَأَعلَمُ أَنَّهُ

مَتى أَجزِهِ حِلماً عَلى الجَهلِ يَندَمِ

وَإِن بَذَلَ الإِنسانُ لي جودَ عابِسٍ

جَزَيتُ بِجودِ التارِكِ المُتَبَسِّمِ

وَأَهوى مِنَ الفِتيانِ كُلَّ سَمَيذَعٍ

نَجيبٍ كَصَدرِ السَمهَرِيِّ المُقَوَّمِ

خَطَت تَحتَهُ العيسُ الفَلاةَ وَخالَطَت

بِهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخَميسِ العَرَمرَمِ

وَلا عِفَّةٌ في سَيفِهِ وَسِنانِهِ

وَلَكِنَّها في الكَفِّ وَالفَرجِ وَالفَمِ

وَما كُلُّ هاوٍ لِلجَميلِ بِفاعِلٍ

وَلا كُلُّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ

فِدىً لِأَبي المِسكِ الكِرامُ فَإِنَّها

سَوابِقُ خَيلٍ يَهتَدينَ بِأَدهَمِ

أَغَرَّ بِمَجدٍ قَد شَخَصنَ وَراءَهُ

إِلى خُلُقٍ رَحبٍ وَخَلقٍ مُطَهَّمِ

إِذا مَنَعَت مِنكَ السِياسَةُ نَفسَها

فَقِف وَقفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلَّمِ

يَضيقُ عَلى مَن رائَهُ العُذرُ أَن يُرى

ضَعيفَ المَساعي أَو قَليلَ التَكَرُّمِ

وَمَن مِثلُ كافورٍ إِذا الخَيلُ أَحجَمَت

وَكانَ قَليلاً مَن يَقولُ لَها اِقدُمي

شَديدُ ثَباتِ الطَرفِ وَالنَقعُ واصِلٌ

إِلى لَهَواتِ الفارِسِ المُتَلَثِّمِ

أَبا المِسكِ أَرجو مِنكَ نَصراً عَلى العِدا

وَآمُلُ عِزّاً يَخضِبُ البيضَ بِالدَمِ

وَيَوماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحالَةً

أُقيمُ الشَقا فيها مَقامَ التَنَعُّمِ

وَلَم أَرجُ إِلّا أَهلَ ذاكَ وَمَن يُرِد

مَواطِرَ مِن غَيرِ السَحائِبِ يَظلِمِ

فَلَو لَم تَكُن في مِصرَ ما سِرتُ نَحوَها

بِقَلبِ المَشوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ

وَلا نَبَحَت خَيلي كِلابُ قَبائِلٍ

كَأَنَّ بِها في اللَيلِ حَملاتِ دَيلَمِ

وَلا اِتَّبَعَت آثارَنا عَينُ قائِفٍ

فَلَم تَرَ إِلّا حافِراً فَوقَ مَنسِمِ

وَسَمنا بِها البَيداءَ حَتّى تَغَمَّرَت

مِنَ النيلِ وَاِستَذرَت بِظِلِّ المُقَطَّمِ

وَأَبلَخَ يَعصي بِاِختِصاصي مُشيرَهُ

عَصَيتُ بِقَصديهِ مُشيري وَلوَّمي

فَساقَ إِلَيَّ العُرفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ

وَسُقتُ إِلَيهِ الشُكرَ غَيرَ مُجَمجَمِ

قَدِ اِختَرتُكَ الأَملاكَ فَاِختَر لَهُم بِنا

حَديثاً وَقَد حَكَّمتُ رَأيَكَ فَاِحكُمِ

فَأَحسَنُ وَجهٍ في الوَرى وَجهُ مُحسِنٍ

وَأَيمَنُ كَفٍّ فيهِمُ كَفُّ مُنعِمِ

وَأَشرَفُهُم مَن كانَ أَشرَفَ هِمَّةً

وَأَكبَرَ إِقداماً عَلى كُلِّ مُعظَمِ

لِمَن تَطلُبُ الدُنيا إِذا لَم تُرِد بِها

سُرورَ مُحِبٍّ أَو إِساءَةَ مُجرِمِ

وَقَد وَصَلَ المُهرُ الَّذي فَوقَ فَخذِهِ

مِنِ اِسمِكِ ما في كُلِّ عُنقٍ وَمِعصَمِ

لَكَ الحَيَوانُ الراكِبُ الخَيلَ كُلُّهُ

وَإِن كانَ بِالنيرانِ غَيرَ مُوَسَّمِ

وَلَو كُنتُ أَدري كَم حَياتي قَسَمتُها

وَصَيَّرتُ ثُلثَيها اِنتِظارَكَ فَاِعلَمِ

وَلَكِنَّ ما يَمضي مِنَ العُمرِ فائِتٌ

فَجُد لي بِحَظِّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ

رَضيتُ بِما تَرضى بِهِ لي مَحَبَّةً

وَقُدتُ إِلَيكَ النَفسَ قَودَ المُسَلِّمِ

وَمِثلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ

فَكَلَّمَهُ عَنّي وَلَم أَتَكَلَّمِ